التحفيز من أسباب النجاح.

التحفيز من أسباب النجاح:  
الحمد لله الذي شوق عباده للجنات، والصلاة والسلام على المربي الكبير الذي أجاد تربية أصحابه حتى ساروا شرقًا وغربًا في نصرة الإسلام.
أيها المسلمون: في مجتمعاتنا على تفاصيلها وأنواعها صغيرها وكبيرها نحتاجُ إلى كلِ وسيلةٍ تساهم في الرقي والتميز، ولعل من أفضل الأساليب التي تدفعُ بنا أفرادًا ومجموعات هو استخدام وسيلة التحفيز.
وحتى تتضحُ الصورة، ويتبينُ المقصود فإن المراد بالتحفيز هو: تفعيلُ مَن حولك، وتشجيعهم على العمل الذي يقومون به.
وهذا التحفيز سرٌ من أسرارِ نجاحِ البيوتِ والشركاتِ والمؤسساتِ وغيرها من بيئات العمل.
عباد الله: التحفيز هو منهجٌ رباني؛ فالله حفزنا للأعمال الصالحة، وبيّن لنا فضائلها، وشوّقنا لما بعد موتنا من نعيمٍ في القبر، ونجاةٍ يوم الحشر، وبعد ذلك جنةٌ عرضها السماوات والأرض، أليس هذا تحفيز!
وفي سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- عشرات من الأحاديث التي فيها التحفيز للأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة وما ذلك إلا لتحفيز النفوس، وتشجيعها على القيام بها.
ولقد تكلم علماء النجاح والإدارةِ والقيادةِ إلى ضرورةِ استخدامِ التحفيز في التعامل مع الموظفين.
أيها الفضلاء: ونحن هنا نتكلمُ عن التحفيزِ بشكلٍ عام، فتعالوا معي إلى التفاصيل:
أولاً- التحفيزُ في داخل البيت:
– أنت أيها الأب لماذا لا تغير أسلوبك مع أولادك؟ نريدك تثني على أولادك بدل أن ترمي عليهم بعبارات الفشل والسب والشتم، يمكنك أن تثني على ابنتك على إعدادها لتلك السفرة، أو لترتيبها لغرفتها، أو لعنايتها بدراستها.
– أيها الزوج وأنت مع زوجتك نذكرك بالتحفيز والثناء، كم من كلمةٍ قليلةِ الحروف صنعت الحب وزادته في قلبِ زوجتك، امدح جمال زوجتك ولو كانت فوق الأربعين أو الخمسين، وأشعرها بأنها لا زالت جميلةً في عينك، امدح عناية زوجتك بطعامكَ وحسنِ طبخها، زوجُتك تنتظرُ ثناءك على تفاصيل دقيقة في حياتها معك؛ فإن هذا الكلام ينمي الحب، ويقوي شجرته في قلبِ زوجتك، وأيضًا نحن الرجال نحتاجُ إلى التحفيز من زوجاتنا، إن الرجل يتعب ويكدح من أجل لقمة العيش، وخدمةِ أهله فيا ترى ماذا يضيرُ تلك الزوجة أن تشكرهُ على ما يقدمه لها ولأولادها؛ فإن بعض الزوجات قد يتناسين حاجتنا لكلمةٍ طيبة لعلها تمسحُ منا عرقَ الحياةِ ونصبها.
ثانيًا- من جوانب التحفيز: بث روح الأمل في نفوس المرضى:
نعم أيها الكرام، إن المريض يشعرُ بنوعٍ من الحزن والأسى، ولعله يعاني من هجر بعضِ الناسِ له، ولعل مرضهُ من النوعِ الذي يحتاجُ لعلاج طويل، فما أجمل أن نحفز المريض، ونقوي عزيمته، ونذكرهُ بجميلِ صبرهِ، ونشجعهُ على الثبات على الإيمان والرضا بالله تعالى، يا من لديه مريض، ابتسم مع مريضك، وأخبرهُ بقصصِ الذين شفاهم الله، وحدثه عن فضائل الصابرين، وأنهم ممن يحبهم الله، وأن الله يقول: (وبشر الصابري)، اجلس مع مريضك وأنت مسرورٌ، وافتح له بابَ الأمل وادعُ له، أحضر له كتابًا عن السعادة، وافتح له بعضَ المقاطع الصوتية والمرئية التي تضيءُ طريق الحياةِ بالخير والتفاؤل، والزيارةُ للمريض هي نوع من التحفيز النفسي؛ فإن المريض الذي يعيشُ بيننا في أمسِّ الحاجة للزيارة ولهذا جاءت النصوص بفضل زيارة المريض قال صلى الله عليه وسلم: (من زار مريضًا في الصباح صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي).
أيها الكرام: إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل الصالح، وفسرها بالكلمة الصالحة الحسنة، والحديث رواه البخاري، قال العلماء: جعل اللهُ في فطر الناس محبةَ الكلمةِ الطيبة، والأنس بها كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي.
ثالثًا- ومن جوانبِ التحفيزِ في حياتنا: تحفيزُ معلمي الحلقات وطلاب العلم:
إن أمتنا لا ترتقي بلا علم وبلا قرآن، فيا ترى ماذا يضيرك يا عبد الله حينما تتعامل معهم بكلِ لطفٍ وشكرٍ وثناء، كم من معلم يرحل هنا وهناك من أجل تبليغ دين الله ونفع الناس، ويبخل الواحد منا بكلمةٍ طيبة يبعثها له.
يا أيها المصلي إن ولدك يدرسُ في تلك الحلقة فيا ترى هل فكرت يومًا ما أن تشكر ذلك المعلم الذي يعلمُ ولدك القرآن، هل خطرت ببالك فكرة أن تُهدي معلمَ القرآن هديةً بسيطةً تعبرُ فيها عن مشاعرك تجاه هذا الصنف الطاهر من المجتمع، إن كلمةً طيبةً لذلك المعلم كفيلةٌ بأن يزدادَ المعلمُ اجتهادًا مع ولدك ومع كل الطلاب لديه.
رابعًا- ومن جوانب التحفيز في مجتمعاتنا التحفيز في قطاعاتنا الحكومية:
فإن سألت عن التحفيز في دائرةِ العمل ومع من تحتَ إدارتك فهذا بابٌ واسع لا حدود له، فيمكنك أن تقوي من همةِ الموظفينَ لديك من خلال هديةٍ تقدمها لبعضهم في مناسبةٍ عابرة، يمكنك تحفيزهم من خلالِ الخروج معهم في نزهةٍ يغلبُ عليها جوُ المرح واللعب لا جو الجدِ والعمل، يمكنك تحفيزُ الموظف الذي لديك عبر علاوة سنوية، أو ثناءٍ له بين زملائه، وكما قيل: امدح موظفيك في العلانية، وعاتبهم في السر، أيها المدير: إن أسلوبَ الإهانة وجرحَ المشاعر يقلل من جوانب الإبداع لدى موظفيك، وربما خسرت أنت ذلك الموظف الذي كان بالإمكان أن تكسبهُ لصفك، وإن بقاء إدارتك ومشروعك عاليًا هو عن طريقِ موظفيك، فلماذا تتجاهل فنونَ التعاملِ معهم، إياك أن تفكر في نفسك وتنسى أن الناس لهم مشاعر ولهم حقوق، أيها المدير: إن ابتسامتك لمن حولك، وإشاعةَ السلام، وزيارة الموظفين في مكاتبِهم، والتفاعلُ مع همومِهم يساهمُ في رفعِ المعنويات لديهم؛ مما يدفع بإدارتك نحوَ الكمال والتميز.
خامسًا- ومن جوانبِ التحفيزِ لدينا التحفيزُ في مناصحةِ الناس:
فقد هناك مَن يمكن أن يكونَ سببًا في هداية الناس من خلالِ زرع الجوانب الحسنة في نفوس الآخرين ولو كانوا في الظاهر من المخالفين، ولعل من القصص الجميلة هنا ما رواه البخاري في قصة شارب الخمر الذي كان يؤتى به ويُجلد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي أحد الأيام قام أحد الصحابة وتكلم عليه، فنهره النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)، عجيب والله أن يكون شارب الخمر ممن يحب الله ورسوله، نعم، أيها  الناصح رفقًا بالناس، واستخدم التحفيز والثناء الإيجابي للآخرين.
إن عموم الناس لديهم حب لله ولرسوله، وفيهم خير كثير ولكنّ نفوسهم قد تضعف عن الخير، وتقع في المعصية، والواجب عليك هو إنقاذهم من بحار الذنوب بكل لطف.
سادسًا- ومن جوانب التحفيزِ الضرورية التحفيز والثناء مع الطلاب:
أيها المعلم: إن الطالبَ الذي بين يديك ربما كان من الجادين والأذكياء، فيا ترى لماذا لا تلقي عليه كلماتِ التشجيع؟ لماذا لا تهمس له بحروفِ الثناء على ذكائه أو على حسن جوابه.
أيها المعلم خذ هاتين القصتين:
القصة الأولى- تتحدث عن سببِ تأليف صحيح البخاري، قال البخاري كنتُ في مجلس لإسحاق بن راهويه فقال: من ينشط لجمع الأحاديث الصحيحة، قال البخاري: فوقع ذلك في نفسي، وبدأ في جمع الأحاديث الصحيحة، قلت: سبحان الله كيف كانت تلك الكلمات البسيطة سببًا في تأليف صحيح البخاري الذي يعتبرُ أعظمُ كتابٍ بعد كتاب الله.
القصة الثانية- فهي للإمام الذهبي المعروف بمؤلفاتهِ في التاريخِ وسير أعلام النبلاء، يقول: كنت اكتب فرآني أحدَ العلماء فقال لي: خطك يشبهُ خط المحدثين، قال الذهبي: فوقع في قلبي حبُ علمِ الحديث وبدأ فيه، قلت: وأصبح بعد زمن من علماء الإسلام، فما أعجب كلمات الثناء على الطلاب وكيف كانت سببًا للمزيد من الإبداع والنجاح والتغيير.
أيها المعلم: اغرس في طلابك النجاح والطموح من خلالِ حروفك الجميلة، وثناءك الإيجابي عليهم.
معاشر المسلمين: إن من أعظم جوانب التحفيز في حياتنا: التحفيزُ الذاتي لنفسك، اسمح لي يا أخي أن أقولَ لك: حفِّز نفسك، وقوِّ مشاعرك الداخلية؛ لكي تحقق أهدافك، إياك والشعور باليأسِ والتشاؤم مهما نزلت بك المصائب والهموم، مهما أحاطت بك الأحزان، فلا تغلق باب الأمل، ولا تردد عبارات الفشل، انهض من مكانك، واستعن بربك، وقل لنفسك أنا سأقوى على مواجهة هذا الألم، أنا سأنجح في حياتي، أنا سأغيرُ ذاتي للأفضل، أنا أُحسِنُ الظن بربي وهو مولاي ولن يخيبَ أملي.
يا أخي: لا تجعل عبارات الناسِ الموجهةِ لك سببًا في تقاعسك عن التقدم نحو النجاح وتحقيق الطموحات، لا تلتفت لصيحات الحمقى، وكن كما قال ربك جل وتعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) القصص: 55، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) الفرقان: 63ّ.
صدقني يا أخي، حينما تحفِّز نفسك، وترتقي بها؛ فإنها تساعدك لبلوغ النجاح.
اعتبر نفسك التي بين جنبيك الصديق الوفي الذي لا يفارقك أبدًا، بين كل فترةٍ وأخرى اسمح لنفسك أن تعيشَ التفاؤل، امرح مع نفسك في بساتين الأمل، دع عنك قصصَ الفشل والأحزان، هذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- عاش وحيدًا ويتيمًا وبلا أسرة تحتويه في بداياته ومع ذلك سار بكل نجاح، وحقّقَ أهدافه ولم تؤثر فيه ظروفه.
لقد تحدى نبينا -صلى الله عليه وسلم- كلَ الصعاب، ووصل نحو شواطئ التوفيق، والناجحون على مر التاريخ لم يكونوا ينظرون لأنفسهم نظرةً دونية، بل كانوا يشعرون بالأمل، ويقودون نفوسَهم نحو النجاح، رغم الصعوبات التي مروا بها، والقصص في هذا الباب كثيرة.
وخلاصة الكلام: حفِّز الآخرين بكل ما تقدر عليه، وحفِّز نفسك، وهكذا تصل أنت والآخرين لمنازل النجاح.
اللهم افتح لنا أبواب الأمل، اللهم يسرنا للنجاح والرقي في ديننا ودنيانا، اللهم وفقنا بتوفيقك، ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.

Scroll to Top